أركان الإسلام والأسرة (4) الصيام والأسرة
الركن الرابع الصيام والأسرة
قال رسول الله ﷺ: “بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ” خرجه البخاري ومسلم
قال الله: { أُحلّ لكم ليلة الصّيام الرفث إلى نسائكم هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم } البقرة ١٨٧
وعن الرُبَيّع بنت مُعوَذ قالت: أرسل النبيُّ ﷺ غداةَ عاشوراءَ إلى قرى الأنصارِ: ” من أصبح مفطرًا فليتمَّ بقيةَ يومِه، ومن أصبح صائمًا فليصم” قالت: فكنا نصومُه بعدُ ، ونصوِّمُ صبياننا، ونجعلُ لهم اللعبةَ من العهنِ، فإذا بكى أحدُهم على الطعامِ أعطيناه ذاك حتى يكونَ عند الإفطارِ. أخرجه البخاري ومسلم
فالصوم عبادة الأحرار، به تفك رقبتك من عبودية الشهوات الطيبة وغير الطيبة؛ والأسرة مسؤولية ذوي الأقدار، وأصحاب القرار؛ بالأسرة ترقى برقبتك معالي الحسنات ومراقي السُعود.
فتعال معاً لنتذوق حلاوة تعابير القرآن، ونستنشق منه عبير البيان، ونتأمل أوجه تناسق وتعانق الكلمات الإلهية، ولطافة اللفتات الرّبانية؛ ففيها لطائف المعارف بالإعجاز الجمالي بجوامع الكلِم، والإيجاز الوصفي وقْعاً، والإنجاز المعني وُسْعاً بحبات لؤلؤ من نور [ليلة -الصيام – نسائكم – لباس] مسبوكة بسلسلة الرحمة؛ ليسعد بها الازواج حُلِياً وزينةً، وزاد المتاع للحياة الأسرية.
فالليل صفاء، والصيام نقاء، والنساء هناء، واللباس غطاء؛ فهل بدونهنّ يطيب العيش، وتطيب الحياة، وهل بلا معانيهِنّ خلود في الجنان بدار الحيوان لو كانوا يعلمون؟
ومن جوامع النوافع الموانع لهذه الأربعة أنهنّ ينابيع الملذات، الراحة بالليل، والوقاية بالصيام، والحياة بالنساء، والستر والزينة باللباس، وهم مصدر السكون والسكينة والرعاية وغداء الأرواح ونماء الأشباح
الليل ملتقى الأمن والخوف، والطمأنينة والريب، والرغبة والرهبة؛ فجميع أهل الدنيا الصالح والطالح والعابد واللاعب يهوى ويهاب (الليل)، لأنه محل الخلوات للمحبوب والجلوات للمرغوب، مجمع لذات الإشتياق، ومجتمع أشواق اللذات، مع ما ملأ الله بالليل من الهيبة والذعر
وأما (الصيام) فهو جُنة بجَنة، وتقوى الرحمن، ومنبت الإحساس، وَوِجاء الوسواس، ولجام إبليس، والفوز بالرّيان
وأما (النساء) فزينة الكبرى، وقرينة الأولى، ولينة الحسنى، والمتاع الأعلى، والغانية الأقصى، في الدنيا والأخرى
وأما (اللباس) ما اللباس؟ وما أدراك ما اللباس؟ مظهر كل مليح، ومبطن لكل صحيح أو قبيح، كمال زينة الدار، وحرير دار القرار
ولجمال تستر النساء، وكمال حشمتهنّ تقدم عليهنّ الليل والصيام، واُسْدِل عليهنّ باللباس ستراً لهنّ، ولحياتهنّ الزوجية
الليل لباس والزواج لباس، الليل سكن والزواج سكن، الصوم إمساك والزواج إمساك، اللباس تقوى والزواج تقوى، فبالله عليك أما يكفيك ويغنيك ويقنيك هذه الأوصاف من جِرْبة العرب وخربة الغرب
يا الله عفوك على التقصير؛ لا أعلم بعدُ ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ أكتب لبيان وتبيان قوة متانة العلاقة بين الركن الرابع الصيام والحياة الأسرية ؟
فتناسبهما وتجانسهما ممزوج بين حلاوة الطلاوة، وطلاوة الحلاوة، وانسجامهما أعمق من البحر، وأغدق من النهر، وأعجب من السحر، وأرق من الفخر، مُسْحِر للفِكر ومحرس للنظر
فالصيام لغةً مطلق الإمساك وركود في مكان؛ قال الله عن مريم {فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا} مريم ٢٦، والزواج إمساك بمعروف وركود بحسن المعاشرة وعذوبة المصاحبة قال الله: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ البقرة ٢٢٩، وقال: { فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا }البقرة٢٣١، وقال: { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم }الطلاق2
والصيام شرعاً الإمساك عن المُفَطرات من طعام وشرابه وشهوة؛ والزواج الإمساك عن المُفْطرات التي تُفْطِر القلب وتمسخ الوُد وتسلخ الوداد، وتثمر الطلاق بعد حب التلاق وتعانق التراق من تأجيج الشقاق وتنفيخ الفراق لسوء البواق بنوح الفواق
الصوم صبر وخفاء والأسرة جبر وغطاء، وكل ذلك يورث الستر العزيز والتحمل الغزير
فالصوم وحياة الزوجين عبادتان تشتركان في جوانب نيرة أهما قوة الحلول والاتحاد والتجسد والترابط والتغلغل على الروح والجسد فالصوم يجري كل مجاري العبد ويظهر أثره على سره وعلنه والزوجان يتخالطان ما لا يتخالط شخصين غيرهما أبداً لا أب مقرب ولا أم رحب، ويتداخلان حتى يكون هو هي وهي هو وفي النهاية هما؛ ومنها أن الصيام والزوجين مصدر الصبر الجميل على جوع الصوم وآلام الحياة الزوجية ، والخفاء والسرية في الصوم بين العبد وربه ، وكذا السرية والأمانة بين الزوج وزوجته ، وصدق النية وصحة الوفاء وقوة الرابط بين الصائم والصوم حتى يتخلله بروحه وقلبه – وكذلك الزوجان مثل ذلك ، والشعور والإحساس الذي ينميه الصوم لنفسية الصائم تجاه اخوانه وكذا الشعور نفسه في علاقة الزوجين ، وأوجه الشبه بين الصوم والحياة الزوجية وفير ، والترابط بينهما غزير ، والفقه في ذلك عزيز لمن منّ عليه العزيز الوهاب .
عبدالقادر محمد عجال
4- جمادى2- 1440 ………… يتبعه الركن الخامس الحج والأسرة
No Comments