تجربة (سجن الزوج ولا قصر الأهل)► المقالات

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

حين تختبرنا النعمة وتربّينا الشدّة
قصة لا تُروى باسم، ولكنها تُحكى باسم العظةليس كل ما يُؤلمك شراً، ولا كل ما يُريحك خيراً. فقد تمضي بك الأقدار حيث لا تبتغي، لتأخذك إلى حيث لا تدري، فتُشفى روحك وأنت تظن أنك تنكسر، وتضيع نفسك وأنت تظن أنك تجدها.حين وقعت الخلافات بيني وبين زوجي، كانت حياتي مضطربة، يملؤها الحزن وتغمرها الوحشة. كنت أحمل نفسي كل مساء إلى الله، وأتكئ على سجادة صلاتي كمن يغرق ويتمسك بحبل نجاة. كلما ازداد الجفاء من حولي، اقتربتُ أكثر من الله، ووجدت في الشدة دفئًا لم أذقه في السعة، وحنانًا لا يشبه حنان البشر.

كان الألم صادقًا، ولكنه أنبت في قلبي شجرة من الطمأنينة. وكنت أرى في دعائي ملاذًا، وفي تسبيحي أمانًا. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له.” [رواه مسلم].

ومع اشتداد الخلافات، عدت إلى بيت أهلي، ظننت حينها أنني سأجد راحتي الكاملة، وقد وجدت شيئًا من ذلك: الاحتواء، العاطفة، الأمان الظاهري… ولكن شيئًا آخر تغيّر.

بدأت المسافة بيني وبين الله تتباعد، لا فجأة، بل بخفة وخُبث كما يستدرج الصائد طريدته. خفّ الدعاء، وثقل الذكر، ثم تتابعت الذنوب، صغيرة تجر صغيرة، حتى وجدت نفسي أغوص في مستنقع الفتن شيئًا فشيئًا.

كان الشيطان يُزيّن المعاصي كما تُزيَّن المآسي في دراما الحياة، يُلبسها ثوب المتعة، ويُخفي وراءها شوك الندم. ولكن الحقيقة سريعة الانكشاف لمن أخلص قلبه. بدأت أكتشف أن السعادة التي رُسمت لي كانت سرابًا، وأن الضحكة التي بدت على وجهي كانت قناعًا يخفي بؤسًا داخليًا عميقًا.

وأيّ سعادة في ذنب يوسّع الفجوة بيننا وبين الله؟ وأي متعة في معصية تجعل القلب يضيق، والصدر ينقبض، والنفس تشعر بثقل الوجود؟
قال تعالى:
{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه: 124].

عرفت أن المكان لا يُصلح النفس إن لم تصلح نيتها، وأن الدفء العاطفي لا يُغني عن دفء الإيمان. كم من روح تاهت بين أذرع من يحبونها لأنها نسيت ربها، وكم من قلب صبر على الجفاء، فأصبح قريبًا من الله، غنياً به.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه فقر لا يسده إلا محبته، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به.

تعلمت أن الإيمان لا يُبنى على العبادات الظاهرة وحدها، بل يحتاج إلى علم يغذيه، وفهم يعمقه، ومعرفة بالله تُثبّت القلب عند كل تقلب. إن عبادات الجوارح لا تُغني عن علم يربطك بمعاني الإيمان، ويوقظك إذا غفلت.

تأملت قول الله تعالى:
{فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} [النساء: 19]،
واستعدت يقيني بأن الإنسان لا يعلم أين الخير له. قد يكون الخير في فقرٍ يُذكّرك بالله، والشر في غنى يُنسيك إياه. قد يكون الخير في علاقة تظنها فاشلة، والشر في علاقة تراها ناجحة من ظاهرها.

وكما قال الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة:

فإن تفُقْ الأنامَ وأنتَ فردٌ
فإنّ الفضلَ في الفردِ الفريدِ
وإن تهلكْ ولم تُحدثْ ضجيجًا
فحسبُك ما لقيتَ من الشهودِ

إن الله يربينا بالمواقف، يُرينا كيف نصعد في الألم، وننحدر في النعمة إذا غفلنا. وقد يكون أعظم الخير ما بدا لك جرحًا.

خرجت من هذه الرحلة بألم، لكنه نضجني. بذنب، لكنه أيقظني. بابتعاد، لكنه أعادني. وعدت إلى الله، أعرف الآن أن البقاء في طاعته، والثبات على القرب منه، هو السعادة الحقيقية، وما عداه سراب.

اللهم لا تجعل قلوبنا تزيغ بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.

صدق المستشار حين قال لي بحزم وعزم وجزم: والله الذي لا اله هو لسجن بيتك وزوجك المقرب إلى الله بالصبر والطاعة والدعوات خير من سعة بيت أهلك ولو كان جنة إذا ضعف إيمانك وثقلت عليك العبادة، وضعفت طاعتك فبيت زوجك سجن يوسف وبيت أهلك قصر العزيز، فليكن لسان حالك “رب السجن أحب إلي مما نفسي تدعوني إليه وإلا تصرف عني كيدها أصب إليها وأكن من الجاهلين“.

أم عبدالله

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

3 تعليقات

  • Majed 12 مايو, 2025

    تعلمت أن الإيمان لا يُبنى على العبادات الظاهرة وحدها، بل

    يحتاج إلى علم يغذيه، وفهم يعمقه، ومعرفة بالله تُثبّت القلب

    عند كل تقلب. إن عبادات الجوارح لا تُغني عن علم يربطك

    بمعاني الإيمان، ويوقظك إذا غفلت.

    Reply

  • غير معروف 15 مايو, 2025

    جزاك الله خيرا، طرح مميز بارك الله فيك

    Reply

  • غير معروف 15 مايو, 2025

    بيت الزوج هو بداية حياة كل امرأة

    Reply

Post A Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.