
ناموس الاستشارة
كيف أتعامل وأتقبل الزوج الذي فيه خير كثير وصلاح ظاهر وبنفس الوقت يرتكب بعض المعاصي المشينة جدًا ما يمكن ذكرها مسببة لي حزن وضيق وبكاء دائم وآلام نفسية شديدة وأراه بنظرة تقزز واشمئزاز ومقرف ولا أتقبله.
أولاً: رفع الله قدرك وبارك فيك وزادك عقلاً وحرصًا وتوفيقًا؛ فمن أعظم السعادة التي يكرمها الله الرجل بعد الإسلام والعافية الزوجة الحكيمة العاقلة مثلك إن شاء الله
ثانيًا: من حيث صلاح الزوج ومعاصيه المشينة بنفس الوقت؛ فغفر الله لنا وله وأصلحنا الله له، ولا شك عندك أن (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) كما أخبر رسول الله، سواء هو أو أنت أو أنا، فمثلاً هل أنت ما تغتابين قط ولا مرة في حياتك هل هذا مستحيل؟
قالت: بلى يقع مني غيبة
قلت: أليست الغيبة محرمة حرمة شديدة بكلام الله سبحانه وتعالى بصورة جعلها كأنه أكل لحم أخيك أو أختك المسلمين؟
أليست حرمة الغيبة واردة بسنة رسول الله، وهذه تقطع منك مع صلاحك وخيرتيك،
وقد قال أيضاً رسول الله “اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة” وشرع الاستغفار والتوبة وجعلت صلاة التوبة، وأمر الله الإنابة والاستغفار من أهل المعاصي مهما بلغت فقال الله:
﴿قُل يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم لَا تَقنَطُواْ مِن رَّحمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ٥٣ وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُم وَأَسلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ ٱلعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ٥٤ ﴾ الزمر،
وعليك أن تعينه على ذلك وتسانديه لصلاح نفسه وذريته ولك،
فخير الناس أنفعهم للناس، وإذا ما حرصت على نفع زوجك فمن هم الناس الذين تنفعينهم وأيضا هذا أمر الله لنا فقال الله:
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلبِرِّ وَٱلتَّقوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثمِ وَٱلعُدوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ ٢﴾ المائدة،
لوكان الزوج مريضًا لا قدر الله بأي مرض خطير مثل السرطان أو غير ذلك هل كنت تتخلين عنه أو ما تقلبينه؟
قالت: لا،
قلت: هو مريض، فالمعاصي مرض وتسبب الإثم وقد تؤدي دخول النار والعياذ بالله أما الأمراض العضوية كالسرطان فتوجب إن شاء الله المغفرة والكفارة ورفع الدرجات وبإذن الله سبب لدخول الجنة، يعني أنت تتخيلين عنه في الموضع الذي يحتاج لك حقيقةً وليس هناك بديل عنك، وتتقبلينه في الموضوع الذي لا يحتاج لك حقيقة وغيرك قد يقوم مقامك من الأطباء والممرضين وعياله وأقاربه؟ تناقض ما لنا إلا السكوت.
ثالثًا: مما هو مقرر أن الإنسان يجتمع فيه الخير والشر والصلاح والقبح والطاعة والمعصية، فكما هو طاهر جسديًا يحمل بين باطنه نجاسات كالبول والغائط وبعض الدم ولذلك أوتي برسول الله شارب خمر فأقام حد الشرب ثم قال بعض الصحابة لعنك الله، فقال رسول الله للاعن:
“لَا تَلْعَنُوهُ! فَوَاللَّهِ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ! لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ، وَلَكِنْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ“،
فمنهج رسول الله نبيّ الرحمة، الرحمة على أهل المعاصي والستر عليهم وعونهم على الاستغفار والتوبة
هناك فرق بين مسألتين التقبل والرضا، فلا بد من تقبلك وتعايشك بالواقع والقدر المكروه لك، فأركان الإيمان منها الإيمان بالقدر خيره وشره، وهذا أعظم ما يفرق المؤمن عن غيره فالمؤمن يتقبل القدر الذي ظاهره شر ويتعامل معه بالأحسن دفعًا بقناعة أو طلب المفارقة بكل هدوء بلا توتر ولا ضيق ولا نكد ولا حزن عليه،
فإما المفارقة وأنت مرتاحة وهادئة باختيار بلا حزن ولا زعل ولا محاسبة،
وإما العيش بالتقبل والتعايش لأجل العيال والعشرة والخير والصلاح الذي فيه،
فأحسن الناس مَن لا يرى إلا محاسن الناس وهذا لا يعني أنك ترضين معاصيه أو تحبينه فهذا لا يمكن حدوثه نفسيًا أو شرعيًا.
وهذا يعقوب عليه السلام استطاع أن يتقبل ويتعايش مع أبنائه الظالمين، إخوة يوسف، مع شناعة فعلهم وما تخلى عنهم ولا طردهم.
وهذا نوح عليه السلام استطاع أن يعيش مع ولده الكافر العاصي له.
وهذا نوح ولوط استطاع كل واحد منهما أن يعيش مع زوجه وينجبان منهما الذرية وهنّ بالكفر والعصيان والخيانة الدينية
﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمرَأَتَ نُوحٖ وَٱمرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحتَ عَبدَينِ مِن عِبَادِنَا صَٰلِحَينِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَم يُغنِيَا عَنهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيـٔٗا وَقِيلَ ٱدخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِينَ ١٠ ﴾ التحريم،
وهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في سورة مريم تعايش مع والده المعادي له.
رابعًا: بأي عقل أو فكر أو دين هو يعصي الله ويستمتع ويستلذ بهذه القبائح حسب كلامك وأنت تدفعين فاتورة الحزن والضيق والقلق والتوتر والأمراض النفسية؟
إن الحزن لم يرحم الأنبياء فهل يرحمك أنت؟
أنظري ماذا فعل الحزن بيعقوب عليه السلام:
﴿وَتَوَلَّىٰ عَنهُم وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبيَضَّت عَينَاهُ مِنَ ٱلحُزنِ فَهُوَ كَظِيمٞ٨٤﴾ يوسف،
ترى لا قدر الله إذا أصابك بسبب تواصل الحزن أو قلق أمراض نفسية أو جسدية أو عقلية ما ينفعك هذا الرجل وهو أول إنسان يتخلى عنك ويبحث غيرك امرأة تشيله وتشيل عياله.
خامساً: لا بد من قوة النفس ومتانة الشخصية لمواجهة مثل هذه الأمور حتى لا نكون نحن ضحايا لقبائح الآخرين، لا بد من تغيرك وتقوية شخصيتك والاستعانة بالله والحرص على ما ينفعك، أما الزوج أو الأبن أو الأخ أو الزوجة أو البنت أو الأخت فهم يعصون ويرتكبون السيئات أو المكروهات أو المحرمات ونحن نذوب عليهم كمدًا وحزنًا، وتذهب صحتنا وعافيتنا، وزول قوانا هذا بسببنا نحن لأننا جعلنا أنفسنا لهم كالسكر أو الملح فأذابونا في طغيان مائهم،
باختصار خيارين لا ثالث لهما، فالثالث هلاكك وعذابك النفسي:
1- إما التقبل والإصلاح بالحسنى والتعايش حسب المصلحة الكبرى ودوام الدعاء له سرًا وجهرًا وتغير التعامل معه بحزم وحلم وحكمة وكرم.
2- أو المفارقة بالإحسان ولو بالصمت عنه والانفصال النفسي والفكري والجسدي إذا كانت صحتك تتدهور، مع الستر والانسحاب بأدب وهدوء وشجاعة وبدون فضيحة أو سب أو ذم وهذا ممكن.
No Comments