
ناموس الاستشارة
الزوجة تريد تطلع مع صديقاتها للمول أو السوق أو المطعم وأنا ما تعودت على هذا التصرف وتريد تذهب للصالة الرياضية وجسمها جيد ولا تعاني من مشكلة لكن صديقاتها يذهبون وأنا رافض الفكرة ومش مرتاح لأن فيها تنوع عقليات وفيها الزين وفيها الشين، فما هو رأيك بخصوص هذا الشيء؟
مما ينبغي مراعاته التدرج في الأمور حتى يكون التوافق والانسجام، وأن هذا الأمر يحتاج لوقت وعوامل مساعدة، فالزمن جزء من العلاج، والأمور لا ولن تأتي كما نريد ونرغب به ما دامت متعلقة بالآخرين وبأفكارهم.
مع مراعاة الواقع والظروف السابقة لكل واحد من الزوجين من حيث شخصيتهم وبيئتهم الاجتماعية والتربوية السابقة، ومستوى ثقافتهم الدينية والإيمانية، ومدى إدراكهم لصحة أو خطأ تصرفاتهم.
ولا ريب أن الأصل الشرعي والعرفي هو قرار الزوجة لبيتها كما هو مقرر بمصادرنا الشرعية من القرآن والسنة وأعرافنا وعادتنا العربية المرعية إلا لمصلحة شرعية أكبر وأنفع، مع أن اليوم داخل البيت وخارجه متقاربان مع وجود الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغزو الفضاء الافتراضي للبيوت.
كما أن طاعة كلا الزوجين لبعضهما وتطاوعهما بكل ما فيها مصلحة الأسرة ودوام الألفة وينشر المحبة واجبة، وهي من كمال العقل، فحياتهما ونفعهما لبعضهما وأسرتهما مقدم على كل شخص مهما كان مكانته ومنزلته، وطاعة الزوج بالمعروف عبادة معمرة وفريضة مثمرة وكنوز مربحة للزوجة في أوقات الحصاد، وهي قربة للرحمن وخزي للشيطان.
ولا شك أن خلطة المرأة بغيرها تؤثر فيها سواء سلبًا أو إيجابًا، وعديد من النسوة إذا اجتمعن قد يتعلمن من بعضهن السلبيات، ويتأثرن بالمقارنات المنعكسة على الزوج والبيت أكثر من الايجابيات، وهذا واقع طبيعي، وأمر قد حصل في أكثر المجتمعات إيمانًا وصفاءً وهو المجتمع النبوي في المدينة بسبب الاختلاط بين نساء الأنصار والمهاجرات رضي الله عنهنّ، قال عمر بن الخطاب رضي الله: [وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟! فوالله إن أزواج النبي ﷺ ليراجعنه] رواه البخاري،
وتفسير ذلك أن المجتمع القرشي كان مجتمع شبه مغلق على النساء، ولم يكن لهنّ شأن كبير في الحياة الخارجية، ولذلك كان وأد البنات فيهم وبعض العرب قبل الإسلام، وكذلك الموارد الاقتصادية كانت تعتمد على التجارة والسياحة الدينية في مكة، ولم يكن للمرأة بذلك دور كبير، بينما المجتمع الأنصاري كن النساء يخرجنّ للعمل في الزراعة والرعي وغير ذلك لانشغال الرجال بالحروب بين الأوس والخزرج مما تسبب في قلة الرجال، أو العاهات الناجمة من الحرب والقتال الكثير فيموت الرجال بكثرة وتبقى النساء، فتخرج المرأة إلى المدنية للبيع والشراء والسوق والزراعة والرعي وغير ذلك مما لم تمارسه نساء قريش، فتأثرن نساء المهاجرين وتتطبعنّ شيئًا من طبيعة نساء الأنصار، وزئرن القرشيات على رجالهن، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “فطفق نساؤنا يأخذن من نسائهم“، وهذا التأثر من الإشكاليات في الحقيقة لأنه متعلق بالبيئة الاجتماعية وما تنحته على الطبائع والنفوس والفكر، أو بالشخصية وضعفها أو طيبتها وسهولتها، فإن النساء تذوب بعضها في بعض، ويأخذن من بعضهن البعض كثير من الأخلاق وهن لا يشعرن لأن الجانب العاطفي والاجتماعي عالي جداً، وقد تكون المرأة قوية الشخصية ولكنها توافق غيرها ممن هي معهم، مثلا قد تترك المرأة الوظيفة أو تترك البنت الكلية أو المدرسة إذا صديقاتها هجرنها أو قاطعنها في الصف أو أساءت المعلمة إليها، أما الرجل -بشكل عام- لو ربعه في الدوام ما كلموه، لا يلقي لهم بال، ولو أن أبوه وأمه والجماعة كلهم قاطعوه لم يلق لهم بال، فالنساء يتأثرن وإذا رأى الزوج من مصلحة حياته الزوجية والعائلية أن المرأة ما تحتك بتلك المجتمعات فحُقَّ له ذلك، وعليها السمع والطاعة خاصة إذا لم تكن هناك حاجة لهذا الأمر، بل الهدف أن نكون وننشأ مصلحين مؤثرين سواء نحن أو الزوجات أو الأبناء، فبدل المنع هو إكساب المناعة والاقناع.
فرأيي لك هو أن تقوي علاقتك مع زوجتك وتتعامل معها بما ينفعكم وتعمل على تقوية شخصيتها وتكبير فكرها وتنمية نفسيتها والتودد لها والتحبب إليها بدرجة لا تختار عليك أحد لا من القرباء ولا الغرباء، وحرصك أن تكون ذات حضور إيجابي في حياتها، وأن تجعل شخصيتها مؤثرة في الآخرين بدل ما تخاف من أن تتأثر هي بالأخريات، والتفقد لها والتعهد عليها من خلال قصص الشخصيات المؤثرة. فغالبًا المرأة تكون على دين وعقل زوجها إذا استثمرها ولو بعد حين.
One Comments
جزاك الله خيراً . كلام طيب ورائع ورائق .