
ناموس الاستشارة
المستشير:
مرحبا يا مستشار، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا قبل يومين رحت أشوف نظرة شرعية، البنت ما فيها شيء وكل شيء فيها زين بس الجمال ليس بالجمال مناسب لي، ما شاء الله صح فيها خلق وحسن وحشمة وأهلها كلهم زينين بس المشكلة في ملامح البنت، لا الجمال اللي أنا أحبه فماذا تنصحني؟ ما أبي اضيع البنت لأنها محترمة وطيبة، وأهلها طيبين ومتواضعين وفي نفس الوقت أقول الجمال الشكل عادي، أنا داخلياً مرتاح بس يوم اذكر ملامح البنت اتردد جداً، أحس الشيطان يلعب في مخي. محتار شو أسوي!؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أولا: أسأل الله عز وجل العلي القدير الموفق أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك في الدنيا والآخرة، وأسأل الله أن يسعدك وأن يجعل لك ذرية صالحة طيبة فاضلة منك، وشكر الله لك لحرصك على العفاف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة حق على الله عونهم …. والناكح الذي يريد العفاف» والحديث حسن رواه الترمذي والبيهقي وأحمد وغيرهم واللفظ للترمذي، وهذا مفرح جدا ويدل على إنك تريد في هذا الزمن العفة، فنسأل الله أن يعفك وأن يكتب لك خير نساء الدنيا والآخرة ممن تكون لك عونا في دنياك وآخرتك.
ثانيا: الجمال مطلب أساسي لا شك في ذلك، و”كان صلى الله عليه وسلم إذا أرسل رسولاً – أي سفيرًا- أرسله حسن الوجه وحسن الاسم”، والنبي عليه الصلاة والسلام أشار للجمال في مرغبات بالنساء فقال عليه الصلاة والسلام: « تنكح المرأة لأربع لجمالها وحسبها ونسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك »؛ فالجمال قضية مهمة جدا لا شك ولا ريب في ذلك، وهو من البواعث التي تجعل الإنسان يرغب في المرأة، وهذا أولا وثانيا وثالثا ورابعا وعاشرا.
والناس تختلف في تحديد الجمال فمن الناس من يرى أن الجمال في الشكل، ومن الناس من يرى أن الجمال في اللون، ومن الناس من يرى الجمال في الشعر، ومن الناس من يرى الجمال في الضعف، ومن الناس من يرى الجمال في المرأة الممتلئة، وهذا يبقى مهم ولكنه شكلي.
يا أخي الكريم! نحن في الميدان في الأمور الاجتماعية وخاصة في العلاقات الزوجية، وفي زمن إذا وجد الإنسان فيه الزوجة التي فيها جمال الأخلاق وحسن التعامل مع الزوج وجميلة بروحها وبشاشتها واستقبالها وحفاوتها، فهذه هي النعيم الذي يريده الرجل في الدنيا والآخرة، وأما جمال الشكل فقط بدون جمال المضمون من الايمان والأخلاق قد يفضي إلى طلاق دائمًا، فأكثر من تزوج من الجميلين أو الجميلات أصبحوا غالبًا من المطلقين أو المطلقات، وهذا أراه من واقع الاستشارات، فقد رأيت بالآلاف ولا أقول لك بالعشرات أو المئات بل الآلاف ممن تزوج من النساء التي يكون جمالها جمال المشاعر وجمال الدين وجمال العواطف وجمال حسن الاستقبال وجمال الصورة والسريرة وعاش معها وبها في السعادة والطمأنينة.
والأهم عندي أن تدرك أنه ما أحد منا أختار أمه، لا أنت أخترت أمك ولا أنا اخترت أمي، ولا أحد يختار أبوه، فأم عيالك التي كتبت لك ستأخذها سواء كانت هذه التي أنت متردد فيها أو كانت غيرها، فلو كانت هذه من رزقك ونصيبك فستأخذها، ولو ما كانت لك فلن تأخذها ولو ألحيت وفعلت كل شي، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «لن تبلغ حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك»، فزوجتك أم ذريتك من رزقك الذي كتبه الملاك وأنت في بطن أمك أو ما نفخت فيك الروح وأنت جنين في أحشائها بعمر 4 شهور.فالذي اقترحه عليك – بارك الله فيك – أنك ترجع مرة ثانية وتطلب رؤية البنت وتجلس معها وتناقشها وتحاورها، وأن لا تكتفي بالشكل، المقصد هو جمال الأفكار، جمال الرد، جمال الطرح، جمال التحمل، جمال الذكاء العاطفي، فإذا وجدت هذه المواصفات التي أقول لك إياها، الجوانب الجمالية الباطنية، فاظفر بذات الدين كما قال عليه الصلاة والسلام، وجميع الأحاديث الواردة في دين المرأة ليس معناها صلاتها وصومها فقط، وإنما الأحاديث المتعلقة بديانة المرأة في العلاقة الزوجية هو حسن التبعل وطاعه الزوج والحرص عليه وارضائه وخوف الله في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «خير متاع الدنيا المرأة الصالحة» ثم قال عن صلاحها: « إذا نظرت إليها أسرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، ولا تخالفك في نفسها». ولا تكتفي من الجلسة الأولى ولا الثانية معاها وأهلها وحوارهم حتى ترى ما يدعو لك من نكاحها كمال قال رسول الله:” إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، فإن ذلك أحرى أن يؤدم بينكما” واليوم النظر لفكرها وعقلها وأبدها ومنطقها وحشمتها ومخبرها الحقيقي وحيائها وردت فعالها أهم من المنظر الخارجي فقط.
وحتى يذهب عنك الاحتيار ويسهل عليك الاختيار، وتكون داخليا مرتاح وظاهريا كذلك مرتاح، ارجع للبنت حاورها وناقشها واختبر رأيها وعقلها واختبر تصرفاتها واسألها: لو وصارت مشاكل كيف سنتصرف؟ أول مولود شو بنسميه؟ قد تقول لك أنت الأب، وهذا جواب جميل جدا، وقد تقول نسميه على اسم أبيك، فالمقصد ألا تكتفي بالنظرة فقط مع أنها مهمة جدا، وكانت النظرة في يوم الأيام هي المعيار لما كانت الناس متقاربة وما كان هذا الاختلاط والتقارب في الجنسيات حاصل، ولكن الآن اختلف الأمر تماما واختلطت الأمور، فجمال الأفكار والعقل أصبح أهم من هذا الأمر.
ولا يعني هذا أن يبحث الانسان عن امرأة قبيحة، ولا توجد أنثى قبيحة بالاتفاق لاختلاف أذواق الذكور، لا ليس هذا المقصد أبدا، بالعكس فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة بن شعبة : « أَنَظَرْتَ إلَيْهَا؟ » قالَ : لَا، قالَ: « فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فإنَّ في أَعْيُنِ الأنْصَارِ شيئًا » يعني صغراً وقد لا تجوز له، وكأن المغيرة كان يريد امرأة كبيرة العين كطبيعة قريش، والأنصار في أعينهم ميلان إلى الصغر، فبين النبي صلى الله عليه وسلم له لينظر إليها ويكون على بينه ولعل هذا هو الأريح له فيؤدم بينهما.
وقال عليه الصلاة والسلام: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» وما قال الجميلة ولكن قال: «تزوجوا الودود» طيب كيف أعرف أنها ودود؟ استطيع أن أعرف من خلال حياتها ومن خلال أمها ومن خلال أخواتها ومن طريقة تعاملها، وذكر عليه الصلاة والسلام الودود لأنه إذا أود الرجل المرأة أحبها وتعلق بها، وكثرت معاشرته وجماعه لها، فكثر إنجابهما، وهذا هو المقصد – بارك الله فيك – وهذا يجعل لك الصورة واضحة في حياتك الزوجية.واسأل الذين في الميدان من القضاة والموجهين بالمحاكم والمستشاريين الأسريين وحتى المطلقين قل أن تجد من طلق بسبب الأخلاق الحسنة وجمال التبعل وحسن السمع والطاعة مع نقص جمالها، والله الذي لا إله إلا هو، لو تعرف حال من تزوجوا من أجمل الجميلات وكيف اتعبوهم وآذوهم، والجميلة إذا لم يكن فيها تعظيم الزوج، ولم يكن عندها الكمال في النظر للزوج، ولم يكن فيها تقديس الزوج، ولم يكن فيها تقدير الزوج، فبئس ما يدفع لها من أموال، ستدفع أموال ومهر وزهبة وذهب وعرس، ثم بعد ذلك بأشهر معدودة تطلب الطلاق أو إن طلبت منها أن تجيب لك ماء للشرب فتقول لك: أنا ما جئت من بيت أهلي عشان أجيب لك ماء، وغيرها من الأمثلة لا أقولها من وحي الخيال ولكن مثل هذا واقع،
فإذن ارجع لهذه المرأة وناقشها وحاورها واختبرها، فإذا نجحت بعقلها وعاطفتها وهدؤها، ورأيت من نفسك التعلق النفسي الروحاني الجميل المعتدل فلا تفوتها، ثم بعد ذلك قد جعلك الله عز وجل في فسحة إن تزوجتها وكانت كما تريدها عاطفيا ونفسيا لكنها لم تملأ عينك.
والله أعرف ثلاثة تتزوجوا نساء لم يكن على ما كانوا يريدون لكن لما جلسوا للخطبة وسمعوا الكلام في النقاش والحوار والاختبار، تزوجوهن لأخلاقهن وديانتهن وثلاثتهم الآن مستقرين، وأبشرك بأن هؤلاء الثلاثة أصلا معددين، وبعضهم التي تزوجها ليست أجمل من زوجته الأولى أو الثانية، نحن كرجال طماعين، فيقول أحدنا: نعم سآخذ الجميلة وبعد ذلك إن ما حصلت الأخلاق فسأطلقها، لكن إن حصلت الأخلاق والدين وحسن التبعل وطاعة الزوج وعدم التمرد وعدم الحرية الفردية والأفكار السلبية الموجودة في الحياة فعند ذلك أبقها، ثم إن فتح الله عليك ووسع عليك بالأموال بحثت عن المرأة الجميلة التي تريدها. والله أعلم.
لكن خلني أسألك سؤال دقيق جدا، ما هو معيار الجمال عندك أنت أصلا؟ من قال لك أن التي عينها مربعة أقل جمالا من التي عينها دائرية، ترى كثرة النظر للنساء وعدم غض البصر هو الذي يسبب الإشكاليات، بل رأيت أخوه هم أجمل من نسائهم ولكنه يراها جميلة لأنه يراها بعين العفة ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَيۡر وَأَبۡقَىٰ١٣١﴾ طه، فأحيانا إطلاق البصر هو الذي يعميك فغض بصرك تسلم
فإن تجد امرأة أخرى على نفس مواصفات هذه التي ذكرتها بأنها محترمة وراقية ونفسها طيبة وكانت أجمل منها فتزوجها، لكن لو لم تجد فلماذا تمنع نفسك وتتأخر وأنت في زمن تحتاج فيه إلى العيال.
والذين يبحثون عن الجمال لسببين:
السبب الأول: لأنه يريد أن يرى شيئا جميلا فهذا حسن لا شك فيه ولا ريب ما لم بوصل الوسواس والتردد والحيرة وتلبيس ابليس عليهم
والسبب الآخر: هو عنده شعور بالنقص أو يريد أن يكون أبنائه أجمل منه، ما يسمونه بتحسين النسل، ذكروني بتحسين نسل الأغنام وغيرها، طيب هل أنا بتزوج أولادي أو بتزوج بناتي؟! بنتي سواء كانت فحمة زرقاء أو كحليه أو رماديه أو كانت كالشمس قمر بيضاء، تراها لرجل غيري! هل من المنطق أن اتزوج من أجل أن يرغب ببناتي رجل؟ لا، مش هذا المنطق، فإذا كنت أنا اتزوج لأني جميل وأبحث عن الجمال، مع أنه عموما الرجل دائما أجمل من النساء، أما ترى الديك أجمل من الدجاجة والأسد أجمل من اللبوة والعصافير ذكورها أجمل من إناثها، والله يحفظك ويبارك فيك وعساني أجبت على سؤالك.
فجوابي لك كالتالي: إما أن تجد الآن في الفترة هذه امرأة بأخلاق مخطوبتك هذه لكن أجمل منها، ولا بد أن تحدد شو نوعية الجمال ومعياره ومقياسه، من قال أن القصيرة جميلة والطويلة هي القبيحة؟ وأن الممتلئة هي الجميلة والنحيفة قبيحة؟ من أعطى هذا المعيار والمقياس؟ والخيار الثاني: إما أنك ترجع إليها فتختبرها أكثر حتى يطمئن قلبك، وراحتك الداخلية هذه من العلامات الداخلة في قوله عليه الصلاة والسلام: «فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» وهي علامة خير في زواجك، بارك الله فيك وحفظك ورعاك، أرجو إني أجبت على سؤالك فيما يذهب عنك الحيرة ويجعلها إن شاء الله تعالى الخيرة لك.
قال: شكر الله لك كفيت ووفيت ووسعت مداركي ونظرتي تغيرت والحمد لله والله يقدم الخير لنا جميعًاً.
No Comments