
ناموس الاستشارة
السلام عليكم وفقكم الله،
زوجي يصرف لي كل شهر مبلغ من المال، فإذا جاء الشهر ومرت أيام وما أعطاني زوجي، فشو تسوي المرأة عشان يعطيها زوجها بدون ما تطلبه؟
يعني أنا وهو اتفقنا من البداية أنه يعطيني مبلغ كل شهر فإذا تأخّر كيف أتصرف؟
مثال الشهر الماضي تأخر وعقب قالي صح أنا ما اعطيتك صح؟ وعقب عطاني يعني ما حاطني أولوية في المصروف
كيف ممكن اتعامل مع الوضع ويخليني أولوية في المصروف؟
هل أناقشه في الموضوع وأذكره بالنفقة وأعبر عن مشاعري تجاه الموضوع وأنه لازم يحطني أولوية في الموضوع؟
ولا كيف اتصرّف في الموضوع؟
وجهونا وفقكم الله لكل خير وجزاكم الله خيرا على نفعكم وتواضعكم وإحسانكم؟
أولاً اسأل الله أن يبارك فيك ويحفظك ويزيدك فقها وتوفيقا وتسديدا، الله يثيبكم ويعافيكم.ثانيًا: البشر مهما كانوا بشر، وقبل أن أذهب إلى البشر، نذهب إلى رب البشر، فقد فرض الله عز وجل على المؤمنين وعلى الصحابة الكرام في زمن النبي عليه الصلاة والسلام والنبي معهم الأذان، وجعل لهم مؤذنا يؤذن في اليوم خمس مرات، ويردد جملتي حي على الصلاة وحي على الفلاح، فلو حسبتيهما ستجدين أنهما تذكران في اليوم والليلة عشر مرات في الآذان وخمس مرات في الإقامة فصار مجموعهما ثلاثين.فالله عز وجل ينادي نبيه وينادي أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وخيرة الصحابة، وينادي كل المسلمين ثلاثين مرة، ويقول لهم حي على الصلاة، حي على الفلاح، فهل معنى هذا أن الصلاة ليست من أولويات هؤلاء المؤمنين فيحتاجون إلى أن يذكرهم بها الله؟ الجواب لا، قال سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون وقال عز وجل: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾، ومع ذلك وضع الأذان للتذكير.
وزوجك عنده مسؤوليات عدد من العيال، أهله، عمله، وظيفته، أو تجارته، وهو إما في الثلاثين أو الأربعين، فتجدين أن باله مشغول في كثير من الأمور، فكل هذا لا يشفع لهذا الرجل بأن تذكريه؟ لماذا دائما تأخذ النساء البعد السلبي في الحياة فقط؟
ما وجدتُ للمرأة عدواً مثل نفسها، دائما تأخذ البعد اللي فيه مشقة أو شدة، ما هو الداعي لأن تقولي أنه لا يجعلني أهم أولوياته، ليس هناك داعى، ولماذا هذا كله واللف والدوران، حتى لو اتفقتم فيُذكر الانسان بالاتفاق فهو بشر، سواء كان زوجك تعمد أو تأخر، الآن أنت لو كنت داخلة في جمعيات الادخار الشهري النسائية، ثم تأخرت أحد الأخوات المشاركات لوجدت أنك ستذكرينها بدفع المستحق عليها في كل شهر.
فهل الزوج مبتلى بنسيان أو بانشغال أو بكثرة الطلبات؟ هل مبتلى بشيء من الهموم والغموم؟ فما الذي يمنع أن تُذكِّريه؟! والله عز وجل ذكر ونص فقال : ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾
فلماذا نأخذ الأمور إلى أبعاد بعيدة جداً، ليش المناقشة والمؤتمر والمؤامرة [هل أناقشه في الموضوع وأذكره بالنفقة؟” لماذا أعبر عن مشاعري تجاه الموضوع؟ وأنه لازم يحطني أولوية في هذا الموضوع]. ما هذا الكلام؟ مَن يوحي لكم؟ ومن أين تأتون بالأفكار؟ هذا من مداخل الشيطان عليكم يتربص بكم، فارحموا أنفسكم بارك الله فيكم، فهذا بشر ينسى.
هذا ليس رحمة بالرجل، فأنا لا أعرف زوجك ولا أريد أن أعرفه ولا أستفيد من معرفته، لكن رحمة وراحة لك، فأنت جالسة تحللين بتحليل عميق لماذا؟، حللي تحليل عميق القرآن الكريم وأفهميه بعمق، واقرأي الأحاديث النبوية وحليلها وأفهميها بعمق، كبري عقلك في أشياء كثيرة تحتاجينها في حياتك بعمق، ما يحتاج أختي الكريم، ارحمي نفسك فمن لا يرحم نفسه لا يرحمه أحد، هذا من وحي الشيطان ومن إلهام إبليس ومن أضحوكات أبناء الجن من الشيطان الرجيم، فتعوذي بالله من الشيطان وعيشي حياة سليمة، كلميه وقولي له: حبيبي الغالي! لم تعطيني النفقة، يا أبو كريم! الناس كلها نالت خيرك ومالك إلا هذي المسيكينة حرمتك، خذي الأمور بالفرفشة والتدليع وبفكاهة واطلعي من الرسمية هذه التي ما لها داعي.
ولماذا هذه الفلسفة، النفقة المادية ليست واجبة على الرجل حتى لو اتفقتم، وخذي هذه المعلومة، فليتك ما سألتي والحمد لله أن زوجك لا يعرفها، أن النفقة الشرعية في الكتاب والسنة وفي قانون الأحوال الشخصية عندنا هو المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وما دام أن زوجك يوفر لك المأكل والمشرب والملبس والمسكن المناسب فما لك أي نفقة، هذا الذي يعطيك كرم منه ولطف منه ورعاية منه وصدقة منه لقوله عليه الصلاة والسلام «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نفقَةً يحتَسبُها فَهِي لَهُ صدقَةٌ» متفق عليه، صدقة منه أي منحة منه وعطاء منه، المفروض أن يقبل رأسه في كل عطاء، أنا واحد يعطيني ثم اشترط عليه! أمير أو تاجر أو أبوي أو أخوي الكبير يعطيني شهريا مبلغ من عند نفسه ومن طيب خاطره، وليس بواجب عليه شرعا ولا قانونا ثم اتفلسف عليه؟! أقول إذا تأخر عليّ “ما يحطني من أولى أولوياته؟!”
لكن – سبحان الله – الإنسان إذا اعتاد الشيء ظنه حقا له، هذه من مشاكل الحريم فإنها إذا اعتادت من الرجل شيئا ظنت أن هذا حق لها، وحتى في حقك إن كان لك حق ونصيب فطالبي ولن تخيبي، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «من طالبَ حقًّا، فليطلبْهُ في عفافٍ، وافٍ أو غيرِ وافٍ» صحيح ابن ماجة للألباني
الراتب المصروف الشهري الذي يعطيك الرجل سوآء كان ألف أو ألفين أو ثلاثة، إذا كان الرجل موفر الأكل والشرب والأمور الأخرى، ليس عليه واجب، وإنما هو كرم تطوعي منه يشكر له وعطاء يثنى عليه وبذل وندا، وهو خير من حاتم الطائي فيعرف له قدره، أما التحليل النفسي فلا داعي له، وهذا الزوج أعطاك كل هذه الشهور السابقة فكم شكرتيه وكم دعوتي له؟ وما الذي يمنع من أن ترسلي له رسالة: “أسأل الله أن يوسع عليك وأن يغنيك فما لنا غنى عن خيرك”، وما الذي يمنعك أن ترسلي له رسالة “أحتاج إلى هذا المبلغ”.
وما الذي يمنعك من أن تستلطفيه، فأيوب عليه الصلاة والسلام لما قال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أمطر الله عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ بيده ويجعل في ثوبه، فقال له الله سبحانه وتعالى: «يا أيوب! ألم يكفك ما أعطيناك؟ قال: أي رب ومن يستغني عن فضلك» رواه أحمد فترسل له هذه القصة في رسالة ثم يقال له: يا أبا فلان، ما لنا غنى عن خيرك، ولا لنا غنى عن كلامك، ولا لنا غنى عن روحك، ولا لنا غنى عن جسدك، ولا لنا غنى عن حلاوتك، وين البخشيش؟ ادفع لكي في القلوب تُرفَع وحبك يَرتفَع.
وسؤالك ما تفعل المرأة لكي يعطيها زوجها من غير أن تطلبه، غلط؛ فالله سبحانه وتعالى لن يعطيك الجنة من غير ما تطلبينها وتعملين لها أعمال لتناليها، ليش النفس ليش الكبر ليش العلو وليش العتو؟ ليش! إذا أنتِ محتاجة لزوجك فاطلبيه، أطلبي كل شيء، اطلبي الفراش والعفة النفسية، اطلبي الكلام الحلو، أطلبي الفلوس، أطلبي الطعام، اطلبي أن يلقمك الأكل، اطلبي أن يرفعك ويحملك كالطفلة الصغيرة، اطلبي! لماذا لا تطلبين؟! الانسان كائن مخلوق ليحتاج للآخرين، فقد خلقنا الله عز وجل لنحتاج لبعضنا البعض، لكن الانسان يطلب بالأسلوب الجميل الذي يرفع من قدر المرأة، يطلب الإنسان بالأسلوب الحسن الذي يزيده رفعة،
وبالمناسبة أعطيك مثالا فلو كنتي مصاحبة لبنت الأمير أو بنت حاكم أو تاجرة ويحبونك ومقربة منهم وما تطلبين منهم، وإذا سألوك عن الذي تحتاجين له! أظهرتي لهم عدم حاجتك لهم، فلن يرضوا بأن تصاحبينهم، يوجد بعض الرجال يحب أن يُطلب منه، وأن يُحتاج إليه، وأن يُذَكَّر، ومن باب المناسبة بعض النساء بطبيعتها الأنثوية تحب أن يطلبها زوجها، فبعض النساء لا تجيد الترتيب والتنسيق والعرض أو التعريض أو المراودة لكن يعجبها عندما زوجها يطلبها، فهي تشعر بأن لها قيمة أن زوجها محتاج إليها، وهذا مر علينا في الاستشارات وعلم النفس، فإن لم يطلبها زوجها شخصيا لا تلبي وتحضر لفراشه ولا تبادره، لأنه عندما يطلبها زوجها يشعرها بأنها محل قيمة وهذا جانب نفسي.
ويوجد بعض الرجال كذلك هذا طبعه، يحب أن زوجته تطلب منه وأن إخوانه يطلبون، هو يجد في طلبهم وعطائه كرم وهذا صنف من الناس، فخليه يشعر بهذا الشعور إن كان هو من هذا الصنف من الناس، ولكن مصلحتك أنت أين؟ النبي ﷺ قال: «احرص على ما ينفعك»، هل طلبت منه أنت أو أرسلت له رسالة؟ أو هو بادر وعرف؟ لا يهم، والمهم في الأمر حصول النتيجة وبطريقة صحيحة.
بعض الصحابة رضوان الله عليهم كأبي سفيان رضي الله عنه سيد قريش وقد كانت له مكانته، حتى أن العباس رضي الله عنه في فتح مكة قال: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ يحبُّ هذا الفخرَ، فاجعَل لَهُ شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلمك «نعَم، من دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمِنٌ» صحيح أبي داود، رجل بهذه الفخامة تأتي زوجته هند بن عتبة المخزومية رضي الله عنها فتقول: يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، لا يعطيني ما يَكفيني وولَدي، إلَّا ما أخذتُ من مالِهِ، وَهوَ لا يعلَمُ، فقال: «خُذي ما يَكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ» صحيح البخاري، هنا التصرف هنا المرأة الذكية الفطينة، ما تأتي لتغير من طبعه، وأنت زوجك ليس بشحيح وليس ببخيل، ولكنك تدلعين وتتفلسفين، ثم يأتي لك الشيطان ويصبغ لك بصبغات إبليسية ما لها داعي، وذلك لأنك لست محتاجة فإما إنك تربيتي في أسرة فيها خير وفيها عطاء أو إنك موظفة، لست محتاجة، وكلنا نحب المال والفلوس وأبشرك أن كان النساء تحب المال أكثر من الرجال، لكنك لست محتاجة فلو كنت محتاجه أو كان أهلك محتاجين أو أقاربك محتاجين لأخذتي منه المبلغ وزيادة ولححتي عليه وحنيتي عليه إلى أن تأخذين المبلغ الذي تحتاجينه وزيادة، فتعلمي الأساليب، دلعيه، اهتمي فيه وراعيه وتوددي إليه وتزيني له ثم اطلبي، دائما قبل أن تطلبين قدمي أشياء جميلة لكي تأخذي ما تريدينه، فالذي لا يدفع لا يأخذ، الذي لا يدفع بأخلاقه وأسلوبه وحسن عشرته لن يأخذ شيئا.
أطلت نعم، قسيت نعم، شديت عليك نعم، كل ذلك لكي تعيشوا في حياة مستقرة سعيدة، بعيدة عن الفلسفة بعيدة عن التعقيد، حياة هانئة هادئة، والإنسان كائن لا يتعلم حتى يتألم، فشدتي هذه وحزمي وعزمي عليكم إنما هو فائض الرحمة حتى لا تعيشوا في زحمة، فاتقوا الله! والحياة أعذب وأسهل وأهنى وأحلى وأغدق إذا عشناها بالرحمة والرفق، بالله عليك اعرضي سؤالك الذي سألتيني الطويل على هذه آية من كتاب الله وهو قوله عز وجل ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ الروم
مودة ورحمة أي سهالة وليونة، فهل هذه الآية تنطبق على سؤالك المعقد؟ لا تنطبق، راجعي بالله عليك سؤالك، كيف أتصرف معه؟ ماذا تفعل المرأة لكي لا تطلب؟ كيف إذا تأخر أتصرف؟ لم يجعلني أولوية في المصروف!! لا حول ولا قوة إلا بالله، هل هذا يتوافق مع قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾؟ يا بناتي تعلموا وتثقفوا وأفهموا الحياة بشكل صحيح وارحموا أنفسكم ثم ارحموا أنفسكم ثم ارحموا أنفسكم، فإنه ليس هناك عدو أكبر على المرأة من نفسها.
وهذا ليس بكلامي أنا، وإنما أدركت هذا من الاستشارات لفترة طويلة، والملهم المحدث الذي يوحى إليه إلهامًا من الله عز وجل وحي إلهام عمر رضي الله عنه قال لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عَدُوَّاتِ أنْفُسِهِنَّ! أتَهَبْنَنِي ولَا تَهَبْنَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ” صحيح البخاري، فانتبهي يا بنيتي، انتبهي يا أختي، انتبهي يا أيتها الأستاذة الكريمة الفاضلة، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم، وارمي نفسك على زوجك، وخذي من فلوسه وجيبه، سامحيني ولكنك أنت أخذتي منه أكثر من الفلوس والآن صعب الأمر عند طلب المال!! الله يهديكم ويصلح اعمالكم.
قالت المستشيرة: جزاكم الله خيرا ورفع قدركم ونفع بكم، بالعكس أحسنتم وكفيتم ووفيتم رفع الله قدركم، طلبنا الطريقة وفقكم الله حتى لا نسيء إلى أزواجنا لا بقول ولا بعمل … ولأن لكم من التجربة الشيء الكثير، فبارك الله فيكم وأحسن إليكم وجعل ما تقدمونه مباركا.
لما نطرح موضوع وفقكم الله لكل خير إنما نريد التوجيه الصحيح وإننا لا نسألكم إلا ونتعلم ورفع الله قدركم وأحسن إليكم وجعل لكم الرفعة والمثوبة على ما تقدمونه من خير .
وأنتم ما قصرتم كلمة الحق تعلوا جزاكم الله خيرا..
No Comments