
ناموس الاستشارة
اتصلت تلك الأم الحريصة على تربية أبنائها بأحد المستشارين الأسريين، وطلبت منه أن يقنع ابنتها على إغلاق قناتها في اليوتيوب، ولا شك أن قبل الاتصال حصل الحوار والنقاش بين الأم وابنتها، ولكنهما لم يصلا إلى حلٍ وسط، ومن الذكاء التربوي عند الأم أنها جعلت طرفاً ثالثاً يفصل في الأمر، واختارت من ذوي الاختصاص، فهذا فيه تعليم عملي للبنت كيف ومتى ومع من تستشير، وكان هذا الحوار:
المستشار: كم عمرك يا ابنتي؟
البنت: سأدخل في سن الثانية عشر (12)
المستشار: ما هو محتواك في اليوتيوب؟
البنت: برمجة الألعاب.
المستشار: جميل جداً، هل بالإمكان إرسال رابط القناة لأشاهده؟
البنت: لقد أرسلته لك.
المستشار: سأشاهده ومن بعدها سنتواصل.
وبعد مضي دقائق اتصلت البنت بالمستشار
المستشار: لقد شاهدت قناتك ومحتواك ولكن عندي سؤال لكِ،ما هو هدفك من انشاء هذه القناة؟
لأن الانسان لابد أن يكون له هدف مقصود من فعله، ولو تأملنا بقية الكائنات الحية كالحيوانات مثلاً نجدها تسير وتبحث عن الطعام بهدف البقاء على الحياة.
البنت: أحب البرمجة، وأحب أن يكون عندي متابعين وهكذا.
المستشار: ما رأيك لو قيمنا قناتك الآن؟
البنت: طيب
المستشار: لقد لاحظت عليك وأنا أتحدث معك أن أسلوبك في الكلام معي مختلفٌ تماماً عن القناة، فهناك تقلدين أسلوب اليوتيوبر، فكأن لكِ شخصيتين مختلفتين، شخصية في قناتك وشخصية أخرى وهي التي تكلمني الان، فهل هذه الملاحظة صحيحة؟
البنت: لا أعلم؛ أمممم يمكن صحيح.
المستشار: أليس من الخطأ أن يعيش الانسان بشخصيتين؟
البنت: نعم خطأ.
المستشار: حافظي على شخصيتك يا ابنتي، ولا تقلدين الآخرين وتتصنعين شخصية أخرى.
البنت: طيب، ولكن أنا لا أُظهر شكلي، ولم أفصح عن بياناتي الشخصية.
المستشار: جميل جداً، ألم تقولي في المقاطع أنك فلانة بنت فلان باسمك الحقيقي؟!
البنت: نعم، ولكن قلت لهم بأن هذا الاسم ليس باسمي الحقيقي.
المستشار: ولكنه الحقيقي صحيح؟
البنت: نعم
المستشار: إذاً أفصحت عن شيء من بياناتك الشخصية، وأيضاً وقعتي في الكذب…… وإلى هذه اللحظة وقعتِ في عدد من الأخطاء
البنت: صحيح.
المستشار: في الحقيقة أنا أريد من أطفالي متابعتك، فما الذي سيستفيدونه من متابعتك؟
البنت: لا شيء سوى مشاهدتي وأنا ألعب.
المستشار: يعني أضعتِ وقت من يتابعك! فهل هذا التصرف صحيح أم خطأ؟
البنت: خطأ، ولكن كل الناس تفعل هكذا.
المستشار:إذا فعل الناس الخطأ فهل علينا تقليدهم وفعل ما يفعلونه من الأخطاء؟
البنت: لا
المستشار: ولكنك فعلتِ، فهل تصرفكِ هذا صواب أم خطأ؟
البنت: خطأ
المستشار: لقد لاحظتُ يا ابنتي وجود الكثير من المقاطع التي تحتوي على الموسيقى والغناء، فما رأيك هل إخراج المقاطع بهذا الشكل يعد صواباً عندكِ أم خطأ وهل تستطيعين القول إن الله يحب ذلك؟
البنت: خطأ، ولا أستطيع
المستشار: كم خطأ وقعتِ فيه بسبب هذه القناة؟ لنعد شيئاً منها:
1) تقليد وتقمص شخصية الاخرين
2) إضاعة الوقت
3) إفشاء البيانات الشخصية
4) الكذب
بعد هذا كله هل ترين أن قناتك نفعتك أم ضرتك؟
البنت: ضرتني …. ولكن أنا أحب البرمجة
المستشار: رائع جداً، ما رأيك لو تجعلين قناتك فيها محتوى مفيد للأطفال، فتبرمجين المقاطع الجيدة، وتضعين ما ينفعهم من مقاطع توعوية وتعليمية، بالمشاركة والمشاورة مع أمك.
البنت: إن شاء الله …… ولكن عندي سؤال آخر في موضوع مختلف هل بالإمكان لي أن أسأل؟
المستشار: طبعاً، تفضلي يا ابنتي.
البنت: أنا لم أبلغ بعد وأريد أن ألبس العباءة الملونة والمطرزة فهل فعلي صحيح أم لا؟
المستشار: سؤالك جميل يا بنية، ولكن لما تلبس البنت الحجاب والعباءة؟
البنت:لتستر نفسها.
المستشار: من أمرها بالحجاب؟
البنت: الله سبحانه وتعالى
المستشار: إذاً فالحجاب عبادة تتقرب بها الفتاة لربها كما تتقرب بالعبادات الأخرى كالصلاة والصيام.
البنت: صحيح.
المستشار:فهل تصح الصلاة بلا وضوء أو استقبال الكعبة؟ أو هل يصح الصيام مع الأكل والشرب؟
البنت:بالتأكيد لا.
المستشار:فكذلك الحجاب له ضوابط وشروط، وإذا خرجت منها فقد وقعت في الخطأ.ولنضرب على ذلك مثال هل إظهار المكياج والزينة صواب أم خطأ؟
البنت:خطأ، بل يجب تغطية الزينة
المستشار:فماذا نسمي النقش الذي يظهر على العباءة؟
البنت:زينة
المستشار: فما الواجب علينا في هذه الحالة؟
البنت: تغطية الزينة
المستشار:فكيف تكون العباءة إذاً؟
البنت: بلا زينة
المستشار:لكن بنيتي يمكنك أن تفصلي أكثر من عباءة بعضها بلا زينة ولا ملونة (سادة) تلبسينها عندما تذهبين مع أهلك إلى السوق أو المول أو طلعاتكم، وعباءة أخرى تكون ملونة أو بها زينة تلبسينها حين تذهبين لصديقاتك أو المناسبات النسائية كالأعراس.
البنت: شكرًا يا عمي.
المستشار:أحسنتِ يا ابنتي…. هل عندك سؤال اخر؟
البنت: لا…. شكراً لك.
من خلال هذا الحوار لابد أن ندرك كمربين أن العالم قد تغير، وهذا التغيير يحصل بشكل متسارع، وهذا إذن لقرب قيام الساعة ونهاية العالم الدنيوي كما أخبرنا به الصادق المصدوق؛ وهذا الانفتاح الافتراضي قد غير بعض القناعات، وأحدث كثيراً من التساؤلات، وليس هذا للتخويف أو السلبية بل لمزيد من الجد والعمل والغرس والإصلاح التربوي كما حث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»، ومما يجب على الوالدين أحدهما أو كلاهما معرفته والعمل به أن أبنائنا يحتاجون لجلسات حوارية مع والديهم لتوسعة مداركهم، وفهم تصرفاتهم، وبناء عقولهم بصورة فكرية صحيحة، وما هي الدوافع والمنطلقات لما يقومون به من سلوك وأفعال، وماهي المرجعية في تقييمها وتحديد الصواب منها فيقبل والخطأ فيرفض.
كتبه: ماجد بالليث (بوسالم)
No Comments