
ناموس الاستشارة
السلام عليكم شيخنا ودكتورنا وفقكم الله وبارك فيكم، هل أنا مسؤولة عن عيال زوجي؟؟ بالنسبة للحديث كلكم راع وكلكم مسؤول.. والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، هل تنصح أتدخل في تربية عيال زوجي، أنا عرفت أني مش مسؤولة عن تربيتهم لكن أنا اعيش بينهم وهم عندي في البيت.

المستشار:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
يا مرحبا حياكم الله وبيّاكم يا أختي الكريمة
أسأل الله أن يزيدك فهما وتوفيقا وتسديداً على حسن أسئلتك وجمال طرحك بارك الله فيك.
أما الجواب
فلو قلت لك أنك لست مسؤولة عنهم فقد خنتك، لقوله في الحديث: «مَنِ استشارَهُ أخوه المسلم، فأشارَ عليه بغيرِ رُشْدٍ، فقد خانَهُ» رواه أبو داوود ٣٦٥٧، ولو قلت لك أنك نعم مسؤولة فقد ظلمتك، لقوله تعالى: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى﴾ الزمر ٧، فالجواب في هذه المسألة فيه تفصيل؛ وفي التفصيل تفضيل، وفي الإجمال كل الإهمال، فأنت مسؤولة نعم ولست بمسؤولة نعم.
أولاً: أنتِ مسؤولة لأننا مؤمنون قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ﴾ التوبة ٧١، والله – عز وجل – جعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مسؤوليات وجعل العلماء عليهم مسؤوليات وجعل على كل رجل وامرأة مسؤوليات، نحن لسنا الغرب ولسنا الشرق ولسنا عندنا فردانية، وكل واحد عليه المسؤولية، والنبي ﷺ بيَّن فقال: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» صحيح البخاري ٢٤٤٤، فهذه النقطة الأساسية الرئيسية في المسألة – بارك الله فيكِ – أنك مسؤولة؛ لكن مسؤوليتك محصورة: مسؤوليتك بالنصح، مسؤوليتك بالتفقد، مسؤوليتك في التوجيه، مسؤوليتك أنك ترفعين أي خلل ترينه إلى المنصب الأعلى الذي هو الوالد، فينبغي أن تكون هذه مسؤوليتك، سواءً كانوا أبنائك الخُلَص أو كانوا إخوانك الصغار الرضع أو كانوا أبناء زوجك، فكلنا علينا مسؤولية لكن مسؤوليتنا ما هي؟ ليست مسؤوليتنا الصراخ والضرب والإلزام، ليست هذه المسؤولية، في كل جمعة يعلمنا رب العالمين قاعدة أساسية في قوله: ﴿وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر﴾ الكهف ٢٩، فمسؤولية الأنبياء هي البلاغ، قال الله: ﴿ما عَلَى الرَّسولِ إِلَّا البَلاغُ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما تُبدونَ وَما تَكتُمونَ﴾ المائدة: ٩٩، مسؤولية الآباء هي التربية، مسؤولية الكبار هي النصح، فأنت مسؤولة بهذه الطريقة عنهم وتسألين عنهم يوم القيامة، فمستحيل يرتكب أمامك خطأ فما تنصحين، يوم القيامة ستحاسبين، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقِفوهُم إِنَّهُم مَسئولونَ﴾ الصافات ٢٤؛ فمن هذه الناحية أنت مسؤولة، مسؤولة أن تتحببي إليهم، كما قال عبدالله بن المبارك: «التودد إلى الناس نصف العقل»، مسؤولة بالنصح، مسؤولة أن تحيطيهم بالحرص، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: «لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ» صحيح مسلم ٥٥، وأبنائنا من مسؤوليتنا، وهؤلاء الأبناء غدا سينفعونك أنت، إذا تعاملت معهم بالذي يحب الله عز وجل ورسوله، واعتنيت فيهم وقويتي شخصيتك وقويتي شخصيتهم وعرفتي مفاتيح التربية والتعامل معهم، هؤلاء غداً هم أعظم استثمار، فلذلك الآن في كثير من الدوائر الحكومية ما صاروا يقولون الموارد البشرية إنما يقولون مثلاً نائب رئيس رأس المال البشري، هكذا صارت العبارة في وظائف كثيرة في كثير من الدول والحكومات يستخدمون بدل الموارد البشرية رأس المال البشري، هؤلاء الأبناء رأس مال سينفعونك عاجلًا أم آجلًا، من العلماء عبد الرحمن بن ناصر السعدي صاحب المصنفات البديعة النافعة مات أبوه وماتت أمه والذي تولى تربيته زوجة أبيه، عمته أو خالته حسب البلدان، فتخيلي هذه الحسنات للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي ونحن إلى الآن نترحم عليه ونذكره هي في ميزان حسنات هذه المرأة، فأنت بارك الله فيك مسؤولة ومسؤولة في توجيهم، في نصحهم، في تحبيبهم لدين الله عز وجل، في تحبيبهم لسنة النبي ﷺ في تعليمهم السنّع، في تقريبهم في حب المعروف، في حب العباد، في حب البلاد في كل ما فيه نفع، فأنت مسؤولة، وإذا ما قمتِ بهذه المسؤولية فيحاسبك رب العالمين فهذه مسؤولية أنت مناطة بها مع كل الأبناء.
والنبي ﷺ يقول: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» صحيح البخاري ١٣، لو تخيلتي أنك عندك أبناء وإما بقضاء الله – عز وجل – مات عنك الزوج – الله يطول في عمره – أو بقضاء الله وقدره تطلقتي، وتزوجت بعده رجل صالح أو رجل عاقل، هل كنتي تتمنين أن هذا الرجل يأخذ أبنائك إلى المسجد أم لا؟ يأمر بناتك وينصحهم ويحببهم بالحجاب أم لا؟ لا شك!! لا شك أن كل امرأة تحب أن يكون زوجها لها عون في تربية أبنائها وبناتها، فأنت عليك أن تكوني عون لهذا الزوج لأن الأبناء ليسوا أبناء الزوج، العيال ليسوا لنا، العيال ليسوا ملك، نحن نخرج العيال للمجتمع، أنتِ أبوك أكلك وشربك واعتنى فيك ورباك أحسن تربية، فلما غديتي ثمرة طيبة يانعة متكاملة من كل حسن، أعطاك رجل آخر، يقطف الثمرة رجل آخر، هكذا الحياة! فأنت مسؤولة: مسؤولة في نصحهم، مسؤولة في توجيههم بس بالأساليب المختلفة، هذه هي المسؤولية المناطة فيك فقط، إذا عجزت عن شيء أخبري به الزوج بالتي هي أحسن، أعيني الزوج فقولي له: “الولد الفلاني يحتاج كذا” أو “البنت الفلانية تحتاج كذا” أو “صار الموقف الفلاني” وقولي له بالحرف: “أنا مخبر كتحريات ولا أريد أن أوغر صدرك على العيال ولا أريدك أن تضرب العيال، لكنني أعطيك المعلومات حتى تهذب سلوكهم” وقد ترسلين له مقاطع تربوية ممن يعتنون بالجانب التربوي من المختصين في باب التربية من باب النصح ومن باب التوجيه، فأنت من هذا الباب مسؤولة وكلنا مسؤولون، الفردانية الغربية التي هي إني أنا مالي دخل لأحد، امرأة تُضرب في الشارع أو تغتصب في الشارع وأنا مالي دخل! هذه في المكسيك وأمريكا وأوروبا مش في بلاد عربية إسلامية إيمانية، لا، غير موجود هذا المبدأ، كلنا مسؤولون، كلنا علينا أن ننفع الناس، بل الذي يتعدى على الجمادات ويتعدى على الشارع علينا أن ننصحه، فكيف في البشر! هؤلاء سينفعون عيالك في المستقبل، وترى الناس والله ما تنسى المعروف، كم أنا أعرف من الأخوات لما كانت في بيت أهل زوجها كانت تعتني بإخوان زوجها صغارا وتشتري لهم، ولما كبر هؤلاء كانت زوجة الأخ هذه وعيالها رقم واحد في هؤلاء الناس، وهذا واقع لكن هناك أساليب وطرق وحكمة ومعايير يتقرب بها الإنسان، أما هذه المسؤولية فنعم أنت مسؤولة عنهم.
قالت المستشيرة: انا اشوفهم عيال الأمة الإسلامية فلهذا اهتم.
والذي قال لك أنك أنت لست مسؤولة عن تربيتهم فقد خانك وخان الله ورسوله، لأن التربية هي النمو، التربية هي التزكية، التربية هي الرفعة، التربية من ربا يربو بمعنى ينمو – بارك الله فيك – فأنت مسؤولة عنهم أما الذي يقول لك أنت لست مسؤولة عنهم فهذا غلط، “يا عيالي قوموا صلوا”، “ذاكروا لمدارسكم”، نعم أنت مسؤولة.
لكن أنت لست مسؤولة تحرقي نفسك، لست مسؤولة عن الصراخ، ولست مسؤولة عن أن تشغلي بالك، على عيالك أو عيال أبيك أو عيال أمك لست مسؤولة بهذا لهؤلاء وهم أقرب لك، فكيف بأبناء زوجك لكن الإحسان مطلوب، نحن نظرتنا ليست نظرة أنا مسؤول وأنت غير مسؤولة، لا، النظرة المادية هذه مش الحياة الإيمانية، المؤمن مسؤول عن المجتمع بأكمله، المؤمنة مسؤولة عن المجتمع بأكمله، وأقل مسؤولية تقدمينها للمجتمع والمؤمنين والمؤمنات الدعاء، قال ﷺ: «مَنِ استغفَرَ للمؤمنينَ وللمؤمناتِ، كتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مؤمِنٍ ومؤمنةٍ حسنةً» صحيح الجامع ٦٠٢٦، فواجب أن ندعوا للمجتمع و لأبنائنا ولإخواننا وولاة أمرنا وللعصاة، هذه مسؤولية فالدعاء فيه مسؤولية، فلا تقولي أنا مش مسؤولة، لكن لا تحرقي أعصابك ولا تعطي الموضوع أكبر من حجمه ولا تناقشي أبدا، وأنت يمكن تحتاجين أن تطوري نفسك بمهارات، طبيعي لما المرأة الشابة تدخل في بيت رجل متزوج عنده عيال ستحتاج طاقة وستحتاج جهد، وهنا على الإنسان أن يتعلم مهارات التربية التربوية، كيف تقوي شخصيتك، كيف تقوي شخصياتهم، كيف تبني حياتك صح، هذه المهارات الإنسان يكتسبها مع الأيام والليالي، ابحثي عن دورات تدريبية في المواقع الموجودة في اليوتيوب وغيره في التعامل مع الأبناء والتعامل مع غيرهم فستكتسبين مهارات كثيرة تستفيدين منها بارك الله فيك.
وأنت ذكرت حديث النبي ﷺ: «والْمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ بَعْلِها ووَلَدِهِ، وهي مَسْؤُولَةٌ عنْهمْ» صحيح مسلم ١٨٢٩، ومسألة مهمة جداً يا أختي الكريمة، وهو أن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما لما توفي والده في غزوة أحد ترك له تسع أخوات، فتزوج جابر رضي الله عنه بامرأة خلي بها كبيرة، ثم في أحدى الغزوات لما رآه النبي ﷺ مستعجلا يريد الرجوع للمدينة سأله عن سبب استعجاله، فقال أنه حديث عهد بعرس، فسأله عن التي تزوجها: أبِكْرًا أمْ ثَيِّبًا؟ فقال جابر: لا بَلْ ثَيِّبًا، فقال له النبي ﷺ وهو يداعبه: «فَهَلَّا جَارِيَةً [بكر] تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ، وتُضَاحِكُهَا وتُضَاحِكُكَ» فقال له جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: يا رسول الله إن أبِي عبد الله بن حرام قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، وتَرَكَ لي تِسْعَ بَنَاتٍ، فَكَرِهْتُ أنْ أجْمع إلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، ولَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وتَقُومُ عليهنَّ، قالَ: أصَبْتَ [بَارَكَ اللَّهُ لكَ ]» صحيح البخاري، عشان تعرفين وتدركين أننا معشر العرب المسلمون ما عندنا فردية والكلام الفاضي: أنا وزوجي، وأنا وزوجتي، ومثل هذا الكلام الباطل الذي أتى إلينا من الخارج، هذا جابر رضي الله عنه ضحى بحظوته، وضحى بشبابة، وضحى بأن يتزوج امرأة بكرا، فدعا له النبي ﷺ، فهذا فيه رجاحة عقل، هذا فيه فكرة حسنة، هذا فيه تصرف صحيح، هذا فيه نعمة عظيمة، انظري النبي ﷺ فرح وأُعجب بفعل جابر وتصرفه وحكمته ودعا لجابر لأنه تزوج بامرأة تقوم على أخواته.
وأنا لا أشك مع أني لا أعلمك ولا أعرفك ولا أعرف زوجك ولكنه لما تقدم للزواج منك أخبرك أن عنده أبناء، ولو لم يصرح بإنك أنت مسؤولة عنهم، لكنه نوع من الأخبار، كأنه يقول أعينيني على تربية هؤلاء الأبناء، وكلما أنت أعنتي هذا الرجل كلما أحبك الرجل أكثر، وتعلق بك أكثر، وقام بك أكثر، وعرف قدرك أكثر، فالجزاء من جنس العمل، قال تعالى: ﴿هَل جَزاءُ الإِحسانِ إِلَّا الإِحسانُ﴾ الرحمن ٦٠.
No Comments