79: فرعون انتهى، لكننا ورثنا فكره في بيوتنا► تجارب اجتماعية

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

lightBrain

ناموس الاستشارة

أهل زوجي علاقتنا معهم ممتازة جداً ولله الحمد، لكنهم كتومون جداً، ودائماً نتفاجأ بأخبارهم. أنا وزوجي كنا نخبرهم بكل شيء من باب أنهم أهل ولا داعي للحدود والرسمية. مثال: عندما أحمل أخبر عمتي في نفس الوقت الذي أخبر فيه أمي، ليكون هذا في بداية الحمل لكي أفرحها، وأنا لا أفرق بينهما. لكن أخواته وزوجات إخوانه لا يخبروني بحملهم إلا في الشهر الرابع أو الخامس. مع تكرار الموقف تحسست وقررت أني لا أخبرهم من البداية، لكن زوجي رفض وقال لي لا تعاملينهم بالمثل. أنا وصلت لقناعة أنه يجب أن نعاملهم بالمثل، يعني نزيد دائرة الخصوصية عنهم ولا نخبرهم بكل شيء، وزوجي يصدمني بمواقفه، يذهب ويخبرهم بكل شيء!
أنا فقط أطلب المعاملة بالمثل في هذه النقطة. في الأمور الأخرى الحمد لله أنا أكثر واحدة من زوجات أبنائهم أزورهم وأتواصل معهم، وهذا شيء نابع مني، فأنا لا أستطيع أن أقصر فيهم لأني أحبهم أساساً، فأردت أن أستشير: من الصح أنا أم هو؟

المستشار:

يا مرحباً وحياك الله أختي الكريمة. الله يحفظك ويسلمك ويسددك ويحفظ جميع أحبائك. أسأل الله عز وجل أن يزيدك براً لأهلك وبراً لأهل زوجك، وأن يطرح المودة والرحمة والبركة بينك وبين زوجك، وأن يزيدكم قرباً وترابطاً وتلاحماً وألفة، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني، بارك الله فيكِ – أختي الكريمة – كونك تتوسعين في دائرتك مع الناس في كل الأمور وتريدين الناس أن يكونوا مثلك فهذا خطأ. أصابع يدك غير متساوية فلا يمكن أن تكون الإبهام كالسبابة، والناس تختلف في آرائها.
الذي أراه أن الناس تكتم خصوصياتها وهذا هو الصحيح. ما يفعلونه أخوات زوجك وقريباتهم هو الصحيح، لأن الأصل في العلاقة الزوجية وما يترتب عليها هو الكتمان والسر في الغالب، كما جاء في الحديث: «استعينُوا على إنْجَاحِ الحَوَائِجِ بالكتمَانِ، فإنَّ كلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» (السلسة الصحيحة 1453). فهذا هو الأصل والناس تختلف من شخص لآخر. فكونك تخبرين الناس بهذه الطريقة صحيح وليس فيه بأس، وكون الناس تكتم أسرارها وأمورها أيضاً صحيح، والأمر واسع، أنت لك وجهة نظرك، وهم لهم وجهة نظرهم، الأمر واسع ما فيه إشكالية، وهذه هي الحرية الشرعية لنا وللناس.
فرعون انتهى، لكننا نحن ورثنا فكره في بيوتنا، ونعيش كفراعنة البيوت، لأن فراعنة البيوت سياستهم: ﴿ما أُريكُم إِلّا ما أَرى وَما أَهديكُم إِلّا سَبيلَ الرَّشادِ﴾ (غافر: 29). بل وصل بفرعون مصادرته لحرية الناس أنه يحاسبهم بأفكارهم ومعتقداتهم بلا استئذان منه وهذا أعجب من العجب وأغرب من الخيال: ﴿قالَ فِرعَونُ آمَنتُم بِهِ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم إِنَّ هذا لَمَكرٌ مَكَرتُموهُ فِي المَدينَةِ لِتُخرِجوا مِنها أَهلَها فَسَوفَ تَعلَمونَ﴾ (الأعراف: 123)، ﴿قالَ آمَنتُم لَهُ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم إِنَّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلَّمَكُمُ السِّحرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُم وَأَرجُلَكُم مِن خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُم في جُذوعِ النَّخلِ وَلَتَعلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذابًا وَأَبقى﴾ (طه: 71). وهذا الحال موجود في البيوت من حب التملك والسيطرة على الآخرين في العائلة، فلا يفكرون ولا يتنفسون دون إذن. فعندما أريد الناس أن تعاملني كما أريد، هذا غير ممكن، فكل واحد له خصوصياته، وكل واحد له نظرته للحياة، ولكل واحد مخاوفه، فالأمور تختلف. تصرفك كونك تخبرين هو شيء طيب، وأنت تخبرين عمتك وأمك فما دخل أخوات زوجك؟ عمتك هي جدة الطفل الذي في بطنك وأمك تبين تفرحينها، فهذا شيء جميل.
أما كون زوجك يخبر أخواته ببعض الأمور فلأنهن أخواته. أختي الكريمة، ارسمِي دائرة واكتبيها باسمك، وارسمِي دائرة أخرى واكتبيها باسم زوجك، وأخرى باسم عيالك، وأخرى باسم أهل زوجك، وضعيها كلها في إطار واحد، هذا الإطار هو صلة القرابة والحقوق العامة بينكم. علاقة زوجك بأخواته في دائرته وليست ضمن دائرتك مثل علاقتك بأخواتك وإخوانك ليس للزوج التحكم فيها. ما لك دخل فيها، كما أن علاقتك بإخوانك لا يتدخل فيها زوجك، لو رزقك الله بحمل وأخبرت أخواتك أو إخوانك، زوجك ما له الحق أن يقول اسكتي ولا تخبري أحداً، علاقتك بإخوانك – ما لم تؤثر في بيت الزوجية وتكون تخبيباً – الأمر فيها واسع وهو بدائرتك لا دائرة الزوج. وعلاقة زوجك بأخواته هذا شيء خاص بدائرته، نحن لسنا ريموت كنترول لأزواجنا أو لزوجاتنا، الزوج دولة مستقلة، وأنت دولة مستقلة بينكم بشرع الله المودة والرحمة والحقوق وحسن الجوار وجميل المعاشرة، حتى عيالك. الله عز وجل يخلقهم في بطنك، وبينك وبينهم شيء واحد وهو الحبل السري، والحبل السري إذا طال بعد أن تضع المرأة قد يموت الطفل أو تتضرر الأم، فلا نخلط العلاقات.
علاقتك بالزوج كزوج، وعلاقة زوجك بأخواته علاقة رجل بأخواته لا تخصك فيها، وعلاقتك أنت بأخواتك لا تخص زوجك، علاقتك بأمك وأبيك الإيجابية لا تخص زوجك، وعلاقة زوجك بأبيه وأمه وأخواته لا تخصك، لكل خصوصيته الشرعية. لا تظنين أن هذه كلمة جديدة، لا. عندما هجر النبي ﷺ زوجاته وأراد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن يتدخل وقال لعائشة: “يا بنْتَ أَبِي بَكْرٍ، أَقَدْ بَلَغَ مِن شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ فقالت عائشة بحزم وعزم وجزم: ما لي وما لكَ يا ابْنَ الخَطَّاب عَلَيْكَ بعَيْبَتِكَ” (صحيح مسلم 1479). أي -بالعامية عندنا- شو خصك،
وقولها: عليك بعيبتك، أي عليك بابنتك حفصة، ثم دخل على أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أمية بن المغيرة – رضي الله عنها – وقال لها نفس الكلام فقالت بكلام ظاهره الرفق واللين لكن شديد الوقع وراسم للحدود قالت: “عَجَبًا لكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ! دَخَلْتَ في كُلِّ شَيءٍ حتَّى تَبْتَغِيَ أنْ تَدْخُلَ بيْنَ رَسولِ اللَّهِ ﷺ وأَزْوَاجِهِ” يعني أنت الآن فضولي ووصلت لدرجة من الفضول تريد أن تتدخل بين النبي ﷺ وزوجاته، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “فأخَذَتْنِي واللَّهِ أخْذًا كَسَرَتْنِي عن بَعْضِ ما كُنْتُ أجِدُ، فَخَرَجْتُ مِن عِندِهَا”.
يا أخوات ويا إخوان وسعوا الدوائر، ودائماً يا أختي الكريمة احفظِي مني قاعدة: إن أردت أن تعيشي حياة هانئة سعيدة مستقرة وبعيدة عن الفضول اعط الناس حريتهم ولا تنشغل بهم. الذي يريد أن يعرف تفاصيل الناس أو الناس تعرف تفاصيله، هذا يدل على أنه في نعمة وفضاوة. فالمشغول والذي على قدر حاله ويركض وراء لقمة عيشه ما هو فاضي لأحد. فالإنسان يشغل نفسه في الطاعة أو التجارة ولا يشغل نفسه بتفاصيل هذه الأمور. فارحمي نفسك، أنت تطلبين المعاملة بالمثل مِن مَن؟ من زوجك المسكين؟ زوجك ما دخله بين خلافات الحريم ونفسيات النساء ومشاحنات النساء وأخبار النساء وحملهن. جزاك الله خيراً على برك، وجزاك الله خيراً على ما تقومين به. كونك أكثر واحدة تزورهم هذا في ميزان حسناتك وأنت المستفيدة في الدنيا والآخرة. فهذا التواصل إن كان فيه خير وسلامة فأنت المستفيدة، وإن كان هذا التواصل فيه مضرة عليك في آخرتك أقول لك اقطعيه، أنت لست ملزمة. فأهل زوجك ليسوا بصلة رحم إلا إذا كانوا عيال عمك أو عيال خالك. باختصار أنتِ صح على طبيعتك وهم أيضاً صح على طبيعتهم. من الصح أنا أم هو؟ أنتِ صح وهو صحيح. علاقتي أنا مع أخواتي ربي يحفظهم لا دخل لها بزوجتي، الله يحفظها، فزوجتي ما تمثلني ولا أمثلها. بارك الله فيك، قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت رَهينَةٌ﴾ (المدثر: 38)، ولا أتحمل خطأها ولا هي تتحاسب على أخطائي، قال الله: ﴿مَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا﴾ (الإسراء: 15). والمشكلة التي تحدث بين زوجتي وبين أختي لا تخصني أنا، أنا لا أتدخل في مشاحنات النساء. وكلكم فيما يتناسب في دائرته صحيح. وسعي الدائرة ووسعي مساحة الحرية للناس، الزوج ليس ريموت كنترول، لا أنت اشتريته ولا هو اشتراك، ولا أنت ربيتيه حتى كبرتيه ولا هو رباك حتى كبرك، كل واحد له اختياراته المباحة. وسعي الدائرة ووسعي المفاهيم، والأمور طيبة والحياة جميلة والله يزيدك بر لأهلك وقربة وطاعة لهم.

👋 مرحباً؛  يسعدنا وجودك👋

اشترك معنا ليصلك كل جديد ومميز

لا نستخدم بريدك للدعايا ولا للإزعاج

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

No Comments

Post A Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


نوصيك بقراءة
JTNDaW1nJTIwJTBBc3R5bGUlM0QlMjJkaXNwbGF5JTNBJTIwaW5saW5lLWJsb2NrJTIwJTIxaW1wb3J0YW50JTNCJTIyJTBBY2xhc3MlM0QlMjJ2Y19zaW5nbGVfaW1hZ2UtaW1nJTIwJTIyJTIwc3JjJTNEJTIyaHR0cHMlM0ElMkYlMkZtaWZ0YWhhbGtoYXlyLmNvbSUyRndwLWNvbnRlbnQlMkZ1cGxvYWRzJTJGMjAyMSUyRjA5JTJGbGlnaHRCcmFpbi0xMDB4MTAwLnBuZyUyMiUyMGFsdCUzRCUyMmxpZ2h0QnJhaW4lMjIlMjB0aXRsZSUzRCUyMmxpZ2h0QnJhaW4lMjIlMjB3aWR0aCUzRCUyMjgwJTIyJTIwaGVpZ2h0JTNEJTIyODAlMjIlM0UlMEElMEElM0NoMyUyMCUwQXN0eWxlJTNEJTIyZGlzcGxheSUzQSUyMGlubGluZS1ibG9jayUyMCUyMWltcG9ydGFudCUzQiUyMHRleHQtYWxpZ24lM0ElMjBjZW50ZXIlM0Jmb250LWZhbWlseSUzQUFicmlsJTIwRmF0ZmFjZSUzQmZvbnQtd2VpZ2h0JTNBMjAwJTNCZm9udC1zdHlsZSUzQW5vcm1hbCUyMiUyMGNsYXNzJTNEJTIydmNfY3VzdG9tX2hlYWRpbmclMjIlM0UlRDklODYlRDglQTclRDklODUlRDklODglRDglQjMlMjAlRDglQTclRDklODQlRDglQTclRDglQjMlRDglQUElRDglQjQlRDglQTclRDglQjElRDglQTklM0MlMkZoMyUzRQ==[vc_column width="1/4"][vc_column width="3/4"] المستشار: أسأل الله أن يزيدك خلقاً ورفعةً وأدباً وسمتاً، وأن ينفع بك…
0